لا يختلف اثنان في أهمية القدوة الحسنة كعنصر أساسي في بناء الشخصية المتكاملة.
ونتفق جميعا على أن بناء الشخصية القادرة على مواجهة المستقبل ومواكبته والتكيف معه هو أحد أهم أهداف السياسة التعليمية إن لم يكن أهمها على الإطلاق.
وبناء هذه الشخصية يعنى إعدادها إعدادا متكاملا جسميا ونفسيا ووجدانيا وروحيا. ولا يتحقق لأبنائنا الوصول إلى هذه الغاية المرجوة إلا إذا وجدوا أمامهم القدوة الصالحة.
حول دور المربي والمعلم القدوة يحدثنا الأستاذ محمد الأمين البس المدير العام السابق بالتربية والتعليم مؤكداً أن عيون الأبناء تتفتح على أمهاتهم وآبائهم فيقلدونهم ويتعلمون منهم الكثير ثم ينتقلون إلى المجتمع المدرسي حيث يقضى الأبناء مع أساتذتهم ساعات طويلة.
ربما تزيد عن الأوقات التي يقضونها مع آبائهم وأمهاتهم. وهنا يبرز دور المعلم وما يجب أن يغرسه في نفوس تلاميذه من مبادئ وسلوكيات.
ويلفت إلى أنه إذا كانت الأبنية التعليمية والأجهزة والمعامل الحديثة والكتب الدراسية والمناهج المطورة من العوامل الضرورية والمطلوبة للنهوض بالعملية التعليمية فإن الأهم من كل هذا هو المعلم لأنه حجر الزاوية ولأنه العنصر البشرى القادر على توظيف كل هذه الإمكانات لخدمة التلميذ ولأنه العامل الأقوى تأثيرًا.
وإلا فما قيمة الكتاب الجيد والمنهج المتطور إذا لم يتوفر المعلم القادر على شرح هذا المنهج، وما قيمة البناء المدرسي النموذجي إذا لم يوجد المعلم القدوة الذي يستغل هذا البناء استغلالا صحيحا لكى يعينه على القيام بأهم دور في العملية التعليمية وهو بناء العقول وتنمية المواهب وغرس القيم والمبادئ؟
إنه إذا غاب المعلم القدوة فلن يجدي كتاب ولا منهج ولا بناء!
وبسؤاله هل يقف دور المعلم عند إيصال المادة العلمية إلى تلاميذه؟ أجاب: إذا كان جوهر عمل المعلم هو إيصال المادة العلمية إلى تلاميذه فإن عليه أن يضع نصب عينيه أن له دورا أهم وأكبر وهو مسؤوليته كمثل أعلى لتلاميذه وقدوة صالحة لهم وعليه ألا يغفل لحظة واحدة عن هذه الحقيقة لأنهم سيقلدونه ويتتبعون خطواته في كل سلوكياته، وفى كل كلمة يتفوه بها بل وفى ملبسه وهيئته العامة.
فإذا نجحنا في إعداد المعلم القدوة نكون قد أعددنا المناخ الملائم والمناسب لبناء جيل يتسلح بالعلم ويتحلى بالخلق والمبادئ التي يفتقدها كثير من أبناء هذا الجيل..
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ويضيف: عندما تنجح الأمة في إعداد جيل من أبنائها متسلحا بالعلم متحليا بالأخلاق فلا شك أن مثل هذا الجيل يستطيع أن يقود هذه الأمة من نجاح إلى نجاح لأننا سنجد في كل موقع رجل كفء في تخصصه.
أمين في تعامله، طاهر اليد، عفيف اللسان. عندما نربى جيلاً صالحًا سوف يكون في هذا المجتمع الأم الصالحة والتاجر الأمين والصانع الماهر والعالم الفذ والمربى الفاضل والطبيب الإنسان والداعية المخلص والمعلم الناجح.
وباختصار سوف نجد في كل موقع إنسانا رجلا أو امرأة كلٌ يؤدي عمله بأمانة وإتقان يخشى حساب ربه قبل أن يخشى عقوبة المتابعين والرؤساء لأنه يؤمن بأن الله مطلع عليه وأنه تعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء وأنه تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا.
وفي مناشدة منه للمسؤولين عن التعليم المصري قال: إن مستقبل هذا الجيل أمانة في أعناقكم عليكم الاهتمام بإعداد المعلم، والتدقيق في اختياره، والحرص على انتقاء العناصر الصالحة من الطلاب للالتحاق بكليات التربية، فكما تدقق كلية الشرطة والكليات العسكرية في اختيار الطلاب المتقدمين للالتحاق بها، نطالب كليات التربية أن تضع القواعد والمعايير والشروط التي يجب توافرها في كل من يتقدم لكليات التربية.
وفي ختام حديثه يخاطب الأستاذ محمد الأمين البس زميله المعلم فيقول: أيها المعلم، دعني أوصيك بما أوصاني به أبي الحاج أحمد البس (يرحمه الله) - أدعوك أن تصغي جيدًا لكلماته التي أرسلها لي من سجنه عندما عينت مدرسًا عام 1968م -:
"إن هذه المهنة تتطلب منك الكثير من الجهد فهي أمانة في عنقك فانظر أية مسؤولية خطيرة ألقيت على كاهلك فاخلص النية لله في توجيه طلبتك إلى الصراط المستقيم واربطهم بدينهم رباطا وثيقا وحاول ما استطعت أن تجعلهم يلمسون ما لله من قدرة على كل ناحية من نواحي علمهم الذي اختصصت بتربيتهم فيه. هذا من ناحية دينهم أما من ناحية أسرتهم فاملأ قلوبهم بحب والديهم وطاعتهم والإحسان إليهم.
اربط بينهم وبين مجتمعهم الذي يعيشون فيه وحقوق المجتمع عليهم. وأشربهم محبة الخلق والعطف عليهم ومد يد المعونة لهم والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه. ثم لا تغفل جانبك الذاتى فاملأ قلبك بالإخلاص لربك وبالحرص على نفع الذين أوكل إليك أمرهم واجعل من نفسك رقيبا على نفسك واحفظ عليها طهرها ونبلها ورحمتها لانها إن خلت من ذلك فلن تستطيع أن تفيضه على غيرها وفاقد الشئ لا يعطيه ".
وأخيرًا أوصيك أيها المعلم بأبنائك؛ فهم أمانة في عنقك، فاحذر كل الحذر أن تنسى أنك مسؤول أمام الله عنهم. احرص على أن تكون قدوة صالحة لهم وذكّرهم دائما بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق "
وكما تدفعهم إلى الجد والاجتهاد في علومهم إغرس فيهم الأمانة والصدق والرحمة والمروءة والإيثار وغيرها من مكارم الأخلاق. اجعلهم يشعرون دائما أنك قريب منهم لا تبخل عليهم بنصائحك وتوجيهاتك واجعلهم ينهلون من عطفك الأبوى عليهم لأنهم إن أحبوك تعلقت بك أفئدتهم.
وأصغت إليك مسامعهم فتصل من أقرب طريق إلى عقولهم عندئذ تحمد الله تعالى على توفيقه وعونه لك وأنت ترى غرسك الطيب ينمو ويزهر ويثمر.
الكاتب: منى ثابت
المصدر: موقع المستشار